الاقتصاد
الاقتصاد هو علم يدرس كيفية توزيع واستخدام الموارد المحدودة لتلبية الحاجات والرغبات البشرية، يُعرَّف أيضًا بأنه البحث عن الطريقة المناسبة للاستفادة من هذه الموارد واستغلالها بكفاءة . يشمل الاقتصاد مجالات الإنتاج، والتوزيع، والتجارة، والاستهلاك للسلع والخدمات. يُعتبر الاقتصاد جزءًا أساسيًا من النظام الاجتماعي ويتأثر بعوامل مثل الثقافة، والقيم، والتعليم، والتطور التقني، والتنظيم الاجتماعي، والبنية السياسية، والنظام القانوني، والجغرافيا، والموارد الطبيعية، والبيئة .
في عالمنا المعاصر، تبرز قضية التغير المناخي كواحدة من أبرز التحديات التي تواجه البشرية. ليست مجرد تحولات في أنماط الطقس أو ارتفاع درجات الحرارة، بل هي معضلة معقدة تمس الأسس التي يقوم عليها الاقتصاد العالمي.
التغير المناخي لا يعني فقط ذوبان الجليد القطبي أو ارتفاع مستوى البحار، بل يعني أيضاً تهديداً مباشراً للزراعة، الصناعة، والسياحة. يؤدي إلى تقلبات حادة في الإنتاج الغذائي، ويزيد من تكاليف الإنتاج الصناعي، ويغير من خرائط الوجهات السياحية العالمية.
الاقتصاد العالمي، الذي طالما اعتمد على الوقود الأحفوري كمحرك رئيسي للنمو، يجد نفسه الآن أمام مفترق طرق و ان الدول والشركات التي تتبنى الابتكار وتستثمر في الطاقة المتجددة والتكنولوجيات النظيفة، تقود الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة وأقل تأثراً بالتغيرات المناخية..
و ان هذا التغير يدفع العالم لإعادة التفكير في نماذج الأعمال والسياسات الاقتصادية. يتطلب الأمر تحولاً جذرياً نحو الاقتصاد الأخضر، وتبني ممارسات تجارية تحترم البيئة وتساهم في الحفاظ عليها .
إن لتغير المناخ جملة من التأثيرات السلبية على الأصعدة البيئية والاجتماعية والاقتصادية، ولكن يبقى التأثير الاقتصادي هو الأهم. وتتمثل الخسائر الاقتصادية الناشئة عن التغيرات المناخية فيما يلي:
• التأثير السلبي المباشر على الناتج والإنتاجية من جراء التغير طويل الأجل في درجات الحرارة، وزيادة حدة أو تعاقب حدوث الظواهر المناخية المتطرفة لاسيما في قطاع الزارعة وصيد الأسماك والسياحة.
• التكاليف الناشئة عن ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة شدة الفيضانات. فحدوث ارتفاع قدره متر واحد من شأنه أن يخفض الناتج المحلي الإجمالي بنحو 10% في العديد من الدول كمصر وموريتانيا وبنغلاديش.
• استمرار التدهور في الأوضاع المالية بسبب تقلص القواعد الضريبية التقليدية، وزيادة الإنفاق الموجه لتخفيف تغير المناخ والتكيف مع مستجداته.
• تكلفة الجهود الرامية إلى تخفيض نسب انبعاث الغازات، بما في ذلك ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة الاستثمار.
• بروز مشكلة في موازين المدفوعات لبعض الدول بسبب انخفاض صادرات السلع والخدمات (المنتجات الزراعية والأسماك والسياحة) وازدياد الحاجة إلى استيراد السلع الغذائية وغيرها من السلع الأساسية.
• الآثار السلبية التي ترتبط بفقدان التنوع البيولوجي والنظم البيئية، وآثار تغير المناخ على صحة الإنسان ونوعية الحياة.
وجدير بالذكر أن التقديرات الاقتصادية لتأثير تغير المناخ تستند إلى دوال الأضرار Damage Functions التي تربط بين الخسائر في الناتج المحلي الإجمالي وبين ارتفاع درجات الحرارة. وهناك مجموعة متنوعة من التأثيرات المناخية تغطيها تقديرات التكاليف من حيث الناتج المحلي الإجمالي والتي تجسدها دوال الأضرار، وعادة ما يتم تجميع تلك التأثيرات في مجموعتين هما:
مجموعة التأثيرات السوقية
تشمل الآثار على القطاعات الحساسة للتغيرات المناخية كالزراعة والغابات والمصايف والسياحة، والأضرار التي تلحق بالمناطق الساحلية نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر، والتغيرات في نفقات الطاقة (لأغراض التدفئة أو التبريد)، والتغيرات في موارد المياه.
مجموعة التأثيرات غير السوقية
تشمل الآثار على الصحة كانتشار الأمراض المعدية واشتداد نقص المياه والتلوث، والأنشطة الترويحية كالرياضات، والتسلية، ونشاطات الهواء الطلق)، والأنظمة البيئية كفقدان التنوع البيولوجي، والمستوطنات البشرية (لسبب محدد هو أن المدن والتراث الثقافي لا يمكن لهما الهجرة). وفيما يتجاوز درجة الحرارة المبدئية، هناك أثر لمستوى التنمية على الأضرار الناجمة عن تغير المناخ:
أولاً: عادة ما ينطوي انخفاض مستوى التنمية على ارتفاع درجة الاعتماد على القطاعات الحساسة للتغيرات المناخية، وخصوصاً الزراعة.
ثانياً: عادة ما يكون السكان في هذه الدول معرضين بدرجة أكبر إلى تغير المناخ بسبب انخفاض نصيب الفرد من الدخل مقارنة بغيرها من الدول، ومحدودية توافر الخدمات العامة (كالرعاية الصحية)، وانخفاض مستوى تطور الأسواق المالية.
ثالثاً: تؤدي نفس العوامل أيضاً إلى تقييد طاقة التكيف لدى الاقتصاد المعني. وهناك تقديرات للأضرار الناجمة عن تغير المناخ تحدد صراحة التكاليف كدالة لمستوى الدخل. وغالباً ما يكون هناك اقتران بين ارتفاع درجات الحرارة المبدئية وانخفاض مستويات التنمية، ما يؤدي إلى مضاعفة التأثير الضار لتغير المناخ على الاقتصادات النامية
يشكل تغير المناخ تهديداً لدول العالم كافة، ولكن الدول النامية هي الأكثر تعرضاً للانعكاسات السلبية لتغير المناخ، فتشير التقديرات إلى أنها ستتحمل نحو 75 – %80 من تكاليف الأضرار التي تنجم عن تغير المناخ. فازدياد درجة حرارة الأرض بدرجتين مئويتين عن درجة الحرارة التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعية– وهو الحد الأدنى الذي من المرجح أن يشهده العالم- يمكن أن يسفر عن إنخفاض دائم للناتج المحلي الإجمالي بنسبة -4 %5 بالنسبة لأفريقيا وجنوب آسيا. فالدول النامية تعتمد بشكل كبير على خدمات المنظومات الإيكولوجية ورأس المال الطبيعي من أجل الإنتاج في قطاعات تتسم بالحساسية تجاه المناخ. ويعيش الكثير من سكانها في مواقع مكشوفة طبيعياً ، وأوضاع اقتصادية خطرة وقدراتها المالية والمؤسسية على التكيف محدودة. ويشير صانعو السياسات في بعض الدول النامية إلى أنه يتم تحويل المزيد من موازناتها التنموية لأغراض التغلب على طوارئ متعلقة بالأحوال الجوية.
وستتأثر الدول التي تتمتع بمستوى دخل مرتفع أيضاً بظاهرة الاحتباس الحراري المعتدل. والواقع أن الأضرار بالنسبة للفرد ستكون أعلى في الدول الغنية لأنها تُشكل نسبة %16 من سكان العالم، ولكنها ستتحمل نسبة -20 %25 من الأضرار العالمية الناجمة عن أثر الاحتباس الحراري، غير أن ثروتها الكبيرة ستجعلها أكثر قدرة على التغلب على ذلك. فتغير المناخ سيسفر عن دمار في كافة الأقاليم والدول- بيد أنه سيزيد الفجوة الكبيرة بين الدول المتقدمة والدول النامية.
في الآونة الأخيرة، تزايد الاهتمام بأسواق الكربون في جميع أنحاء العالم، إلى درجة أنه أضحى نحو 83% من المساهمات المحددة وطنياً – وهي المساهمات التي تتمثل في التعهدات المناخية، وخطط العمل التي تطورها الدول للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية – ترمي إلى الاستفادة من آليات سوق الكربون الدولية بصورة رئيسية.
يُذكَر في هذا الصدد أن تجارة الكربون المعروفة أيضاً باسم تجارة انبعاثات الكربون، التي تُعرَّف بأنها “استخدام السوق لشراء وبيع الاعتمادات التي تسمح للشركات أو الأطراف الأخرى بإصدار كمية معينة من ثاني أكسيد الكربون”؛ يندرج تحتها عدد من المصطلحات الرئيسية؛ فبينما يُشار إلى السعر الثابت الذي يجب على الجهات المُصدِرة للانبعاثات دَفعُه مقابل انبعاثاتها الكربونية داخل سوق الكربون بمصطلح “ضريبة الكربون”، فإنه على الجانب الآخر تُعرَّف “ائتمانات الكربون” بأنها أداة قابلة للتداول، تسمح للشركات والكيانات الأخرى بالتعويض عن انبعاثاتها الكربونية من خلال تمويل المشاريع الرامية إلى تقليل أو إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. وإذا تم استخدام هذه الائتمانات لتقليل الانبعاثات أو عزلها أو تجنُّبها، فإن ذلك يصبح بمنزلة “تعويض” ولا يُعَد قابلاً للتداول.
على الجانب الآخر، تسمح الحكومات لأي كيان بإصدار كمية محدودة من الكربون عن طريق إصدار “بدلات الانبعاثات”، وهو ما يُسمَّى “رصيد الكربون” الذي يمنح حامله الحق في بعث طن واحد من ثاني أكسيد الكربون، وهي أرصدة قابلة للتداول بين الشركات الخاضعة للتنظيم.
جدير بالذكر أن فكرة تطبيق حل مقايضة الانبعاثات الكربونية قد طُرح للمرة الأولى مع بروتوكول كيوتو، وهو معاهدة الأمم المتحدة للتخفيف من تغير المناخ التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2005؛ حيث تمحورت الفكرة حول تحفيز كل دولة على خفض انبعاثاتها الكربونية، مقابل قيام الدول الأكبر والأكثر ثراءً بدعم جهود الدول الأكثر فقراً عن طريق شراء “أرصدتها”؛ أي حقها في انبعاثات الكربون.
اما على مستوى العراق فان للتغيير المناخي تأثيرات ملموسة و تحديات اقتصادية واضحة
حيث في قلب الشرق الأوسط، يقف العراق على خط المواجهة مع التغير المناخي، حيث تتجلى آثاره بوضوح في الحياة اليومية والاقتصاد الوطني. تشير الإحصاءات والتقارير الرسمية إلى أن العراق يعاني من تداعيات بيئية واقتصادية جسيمة نتيجة للتغيرات المناخية¹.
*ارتفاع درجات الحرارة*: في يوليو 2022، سجلت بغداد درجة حرارة قياسية بلغت 51.8 درجة مئوية¹. هذا الارتفاع الشديد في الحرارة لا يؤثر فقط على الصحة العامة، بل يزيد من تكاليف التبريد ويؤدي إلى انقطاعات في التيار الكهربائي، مما يضع عبئاً إضافياً على الاقتصاد.
*الزراعة والمياه*: يُعد العراق من الدول الأكثر تأثراً بشح المياه، مما يؤدي إلى تقلص الأراضي الزراعية وتدهور الإنتاج الغذائي¹. تنبئ التوقعات بانخفاض بنسبة 20% في الموارد المائية المتاحة قبل منتصف القرن، مما يهدد الأمن الغذائي ويزيد من الاعتماد على الواردات.
*النفط والطاقة*: يعتمد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على النفط، ولكن التغير المناخي يفرض تحديات على هذا القطاع. يدعو تقرير المناخ والتنمية الخاص بالعراق إلى التحول في مجال الطاقة كأداة لمعالجة أوجه القصور في قطاع الطاقة والتغلب على أخطار تغير المناخ.
*الفقر والهشاشة*: يربط تقرير التهديد الإيكولوجي لعام 2021 بين الضعف البيئي والهشاشة، مشيراً إلى أن الدول الأكثر تأثراً بتغير المناخ هي أيضاً الأكثر تأثراً بمخاطر الهشاشة. يؤدي التدهور البيئي إلى تفاقم المخاطر القائمة ويفتح سبلاً جديدة تؤدي إلى الهشاشة والصراع.
*التكيف والتنمية* يُظهر الوضع في العراق أهمية التكيف مع التغير المناخي وتبني سياسات تنموية مستدامة. يُشدد التقرير على ضرورة تعزيز قدرات القطاع العام والبنية التحتية والاقتصاد على التكيف مع التغيرات المناخية.
تعتبر معالجة التغير المناخي من خلال الاقتصاد أمرًا حيويًا، وهناك العديد من النقاط التي
1. التكنولوجيا والابتكار:يمكن أن تساهم في تحقيق الأهداف المناخية العالمية. دعونا نلقي نظرة على بعض المبادرات والتوصيات:
– يمكن لمنطقة الشرق الأوسط أن تكون رائدة في تطوير التقنيات المناخية. تشمل هذه التقنيات الطاقة الشمسية، والمفاعلات الحيوية، والهيدروجين الأخضر، والوقود الاصطناعي، وتقنية تحويل المخلفات إلى طاقة.
– يجب أن تستثمر المنطقة في البحث والتطوير لتطوير حلول مبتكرة تساهم في الحد من التغير المناخي.
2. الاستثمار في الوظائف المستدامة:
– يجب أن تتجه الاستثمارات نحو وظائف وشركات مستدامة.
– يجب أن يتم تخليص جوانب الاقتصاد من انبعاثات الكربون.
3. التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة:
– يجب أن ينتهي دعم الوقود الأحفوري.
– يجب أن يكون للكربون ثمنًا لتحقيق اقتصاد خالي من الكربون.
4. مراعاة المناخ في جميع القرارات:
– يجب أن يتم وضع مخاطر المناخ والفرص في الاعتبار في القرارات المالية والسياسات.
5. العمل المشترك والشامل:
– يجب أن يكون الانتقال إلى اقتصاد متعادل من حيث الأثر الكربوني عادلاً وشاملاً.
– يجب ألا نتخلى عن أحد، ويجب أن نضمن وجود المزيد من النساء في مناصب صنع القرار.
من خلال تبني هذه التوصيات، يمكن لمنطقة الشرق الأوسط أن تلعب دورًا رائدًا في معالجة التغير المناخي وتحقيق التنمية المستدامة.