الصحة
الصحة، كما تُعرّفها منظمة الصحة العالمية، هي حالة من اكتمال السلامة البدنية والعقلية والاجتماعية، وليست مجرد غياب المرض أو العجز. تشمل الصحة الجيدة التوازن بين الجوانب النفسية، والعقلية والجسمانية. للحفاظ على صحة جيدة، يُنصح باتباع نمط حياة صحي يشمل التغذية الجيدة، ممارسة الرياضة، الحفاظ على وزن صحي، والتواصل الاجتماعي الفعّال.
و ان التغير المناخي يمكن أن يؤثر سلباً على الصحة البشرية بعدة طرق، منها:
1. زيادة درجات الحرارة: قد تؤدي إلى زيادة حالات الإجهاد الحراري والإصابات بالضربات الشمسية.
2. تغيرات في الطقس: مثل الفيضانات والجفاف قد تؤدي إلى نقص المياه والأمراض المرتبطة بها مثل الجفاف والأمراض المائية.
3. انتشار الأمراض: قد تؤدي الظروف المناخية المتغيرة إلى انتشار الأمراض المعدية مثل حمى الضنك والملاريا.
4. تأثيرات على الغذاء :قد يؤدي ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات في المواسم الزراعية إلى نقص في المحاصيل الغذائية الأساسية.
5. زيادة تلوث الهواء: من خلال زيادة درجات الحرارة وانبعاثات الغازات الدفيئة، مما يزيد من مشاكل التنفس والأمراض المرتبطة بالهواء.
تسبّبت الأنشطة الصناعية الحديثة خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضي في إطلاق وتكدّس الغازات الدفيئة في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي وبالتالي حجز الحرارة والتأثير على مناخ الأرض, فمنذ عام 1975 وكل عقد يسجل درجات حرارة أعلى من العقد الذي يسبقه, حيث قدر معدل إرتفاع درجات الحرارة العالمي بـ 0.15-0.20 سْ للعقد الواحد, ولقد صرحت الأمم المتحدة أن العقد الماضي قد سجل معدل درجات حرارة هي الأشد في التاريخ. وبطبيعة الحال، كان للدول العربية نصيباً من هذا الإرتفاع، حيث شهدت عدة دول في المنطقة موجات حارة غير مسبوقة.
تشكل التغيرات المناخية تهديداُ على صحة سكان الأرض عامة, ولكن يعتبرسكان الدول النامية والمناطق القاحلة والمناطق القطبية والسواحل والجبال هم الأكثر تأثراً بهذا التغير, هذا ويعتبر الأطفال وكبار السن خاصة في البلدان الفقيرة أسرع الفئات تأثراً بالمخاطر الصحية الناجمة عن تغيّر المناخ والأطول تعرضاً إلى عواقبه الصحية.
يرتبط تغير المناخ ارتباطاً وثيقاً بالصحة العامة للإنسان وله عدة تأثيرات مثبتة أهمها:
أولاً: انتشار الأمراض
بالرغم من التقدم العلمي الملحوظ في القضاء على إنتقال الأمراض إلا أنه يخشى من أن يفسد تغير المناخ هذا الإنجاز, حيث تبدي كثيرٌ من الأمراض الفتاكة حساسية شديدة تجاه تغيّر درجات الحرارة والرطوبة مما يؤدي إلى إنتشارها, ومن المتوقع أن يؤثر تغير المناخ على زيادة انتشار الأمراض المعدية المختلفة كما يلي:
• الأمراض المنقولة بالطعام: مثل Listeria.
• الأمراض المنقولة بالماء: مثل الكوليرا.
• الأمراض المنقولة بالهواء: فمثلاً , يمكن أن تساهم زيادة درجات الحرارة صيفاً في زيادة خطر الإصابة بداء Legionellosis إذا تسببت الحرارة في زيادة استخدام التبريد.
• الأمراض المنقولة بالعوائل الوسيطة: مثل البعوض والقراد والذباب والقوارض والقواقع, فلهذه العوائل حساسية عالية للظروف المناخية بما في ذلك درجة الحرارة, ومن هذه الأمراض:
الملاريا : تنتقل الملاريا ببعوض “Anopheles” حيث تمتدّ فترة حضانة طفيل الملاريا 26 يوماً على درجة حرارة 25 سْ ولكنها تنخفض الى 13 يوماً على درجة حرارة 26 سْ, ولقد لوحظ إزدياد إنتقال الملاريا في المناطق المرتفعة في تنزانيا وكينيا ومدغشقر وإثيوبيا.
حمى الضنك: تنتقل عن طريق لسع البعوضة المصريّة، يؤدي هطول الأمطار الغزيرة ودرجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة إنتقال العدوى بهذه الحمى.
الليشمانيا: تنتقل عن طريق بعض الحشرات والتي عادت أنواع أخرى منها إلى الظهورفي أجزاء معيّنة من العالم.
البلهارسيا: من المتوقع أن يؤدي تغيّر المناخ إلى إتساع الرقعة الجغرافية التي تحدث فيها الإصابة بمرض البلهارسيا الذي تنقله القواقع.
إزدياد عام في الإلتهابات البكتيرية والطفيلية ولدغات الأفاعي.
ثانياً: الكوارث الطبيعية
• تغيرأنماط سقوط الأمطار والذي سيؤثر على توافر مصادر المياه العذبة, حيث يخلّف شحّ المياه وإختلال جودتها تدهوراً في الصحة وإنخفاضاً في مستوى النظافة الشخصية ممّا يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض أشهرها الإسهال, كما تؤدي ندرة المياه إلى الجفاف والمجاعات. كذلك فإن نقص المياه العذبة سيؤدي إلى إنخفاض إنتاج المواد الغذائية الأساسية بما يقارب 50% في بعض البلدان الأفريقية خلال 2020 والذي بدوره سيزيد من معدل انتشار سوء التغذية.
• إرتفاع مستوى سطح البحر والظواهر الجوية المتطرفة والتي ستؤدي إلى تدمير الخدمات الصحية الضرورية, كما وسيتسبب إرتفاع سطح البحر في إجبارسكان المناطق الساحلية للإنتقال إلى أماكن أخرى مما يزيد المخاطر الصحية مثل الإضطرابات النفسية والأمراض السارية.
وبينت دراسة نُشرت في NATURE عام 2015، إلى أن عدداً من المدن الساحلية المنخفضة، بما فيها أبو ظبي والدوحة ودبي والظهران، تعد الأكثر عرضة لخطر ارتفاع درجات حرارة فوق ما يحتمله الجسم البشري، كما وتحذر الدراسة من أن بعض درجات الحرارة في بعض دول الخليج قد تتجاوز 60 س بحلول منتصف القرن الحالي، ما سيجعل الحياة في منطقة الخليج مستحيلة ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.
• الأعاصير والفيضانات والحرائق: والتي تؤدي إلى تلوث مصادر المياه العذبة وزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه, كما أنها تتسبب في الغرق والإصابات الجسدية وتدمير المنازل والبنى التحتية والتشرد والقضاء على مصادر رزق الناس مما يعرضهم للإصابة بأمراض سوء التغذية.
ثالثاً: تلوث الهواء
أظهرت دراسة أجريت في الرياض عام 1998 أن غبار العواصف الرمليّة يشكّل مسبباً رئيسياً لأمراض الجهاز التنفسي, حيث أنه وبسبب تغيّر أنماط الرياح سترتفع مستويات مسببات الحساسية المنقولة بالهواء مثل حبوب اللقاح والغبار والعفن والجراثيم والمواد المسببة للإلتهابات الرئويّة والجلديّة في الهواء خاصة في الحر الشديد، ومن المتوقع أن يزداد هذا العبء بفعل الزيادة المستمرة في درجات الحرارة.كما ويسبب إرتفاع درجات الحرارة في زيادة الأوزون الأرضي والذي يزيد من معدل وشدة نوبات الربو، ويسبب تهيج الأنف والعين والسعال وإلتهابات الجهاز التنفسي.
رابعاً: موجات الحر
تظهر الدراسات أن متوسط درجة الحرارة سيزداد في منطقة الشرق الأوسط بمعدل 1-2 سْ بحلول عام 2050. يُسهم ارتفاع درجات الحرارة صيفاً في زيادة الأمراض والوفيات الناجمة عن الأمراض القلبية والأمراض التنفسية, فقد أظهرت إحصاءات WHO أنه عالمياً وخلال الفترة ما بين 1998-2017 لقي أكثر من 166 ألف شخص حتفهم بسبب موجات الحر, منها موجة الحر التي أودت بحياة 60 شخصاً في مصر عام 2015. هذا واستنتجت دراسة تحليليّة في الكويت إزدياد حالات إنحباس البول في فترات الطقس الحار في الفترة ما بين 1998-2001. كما ويرتبط التعرّض الطويل للحرّ الشديد بحالات الإغماء وضربة الشمس والتشنّجات. أضف إلى ذلك, أن الغازات الدفيئة سببت ترققاً في طبقة الأوزون مما آل إلى إنخفاض إمتصاصيتها للأشعة الضارة, وبالتالي خطراً متزايداً بسبب التعرض للشمس منه تلف الجلد وحروق الشمس ومضاعفة خطر الإصابة بسرطان الجلد.
وذكر مركز تغير المناخ التابع لجامعة هارفارد أن درجات الحرارة المرتفعة والأحداث المناخية القاسية تساهم في زيادة أمراض القلب والشرايين إلى جانب الأمراض المعدية، وفيما يلي قائمة بالأمراض التي تؤثر عليها ظاهرة التغير المناخي حسبما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية.
مصاعب الحمل والولادة
النساء الحوامل أكثر عرضة للتعرض للحرارة وتلوث الهواء وهما من مظاهرة التغير المناخي، وتزيد الأعباء عندما تكون المرأة الحامل تعاني من الحساسية فتغير المناخ يجعل الحساسية أسوأ.
أمراض القلب والرئة
يزداد تلوث الهواء سوءًا مع ارتفاع درجات الحرارة، مما يؤثر سلبا على القلب والرئتين. يرتبط أيضًا تلوث الوقود الأحفوري الذي يسبب أزمة المناخ بزيادة الإصابات بأمراض مختلفة والوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية، وهو مرتبط بمزيد من نوبات الربو ومشاكل التنفس الأخرى.
الأطفال
يعاني الأطفال دون الخامسة من العمر من معظم التأثيرات الصحية الناجمة عن تغير المناخ، وفقًا لتقرير الغارديان.
الجفاف ومشاكل في الكلى
من الصعب أن تبقي جسمك رطبا في الأيام، التي ترتفع فيها درجات الحرارة. وترتبط درجات الحرارة المرتفعة بحصى الكلى وفشل الكلى. يمكن للمرضى الذين يحتاجون إلى غسيل الكلى بسبب فشل كلوي أن يواجهوا مشكلة في الحصول على العلاج أثناء الأحداث المناخية القاسية.
الأمراض الجلدية
ارتفاع درجات الحرارة ونضوب طبقة الأوزون يزيد من خطر الإصابة بسرطان الجلد. تسهم نفس المبردات والغازات التي تلحق الضرر بطبقة الأوزون في تغير المناخ.
أمراض الجهاز الهضمي
ترتبط الحرارة بارتفاع مخاطر الإصابة بتفشي داء السالمونيلا وبكتريا الكامبيلوباكتر. يمكن للأمطار الشديدة تلوث مياه الشرب.
الأمراض العصبية
يؤدي تغيير درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار إلى انتشار بعض الحشرات إلى أماكن أبعد، وبالتالي نقل الملاريا وحمى الضنك ومرض لايم وفيروس النيل الغربي. تزداد الكوليرا عن طريق المياه والتشمع الكبدي مع زيادة الجفاف والفيضانات.
الصحة العقلية
أنشأت الجمعية الأميركية لعلم النفس دليلاً من 69 صفحة حول كيف يمكن لتغير المناخ أن يحفز الإجهاد والاكتئاب والقلق. تقول الجمعية إن “العلاقة بين الصحة العقلية وتغير المناخ لا تنفصل”.
الأمراض العصبية
تلوث الوقود الأحفوري يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالجلطة. ينتج عن احتراق الفحم أيضًا الزئبق – وهو سم عصبي للأجنة. الأمراض التي تنتشر عن طريق البعوض والقراد تزيد من فرصة حدوث مشاكل عصبية. ترتبط الحرارة الشديدة أيضًا بأمراض الأوعية الدموية الدماغية، وهو اضطراب يؤثر على إمداد الدم إلى الدماغ.
التغذية
تعمل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على تقليل الكثافة الغذائية للمحاصيل، مما يقلل من مستويات النبات من البروتين والزنك والحديد ويؤدي إلى مزيد من نقص التغذية. كما تنضب الإمدادات الغذائية بسبب الجفاف وعدم الاستقرار الاجتماعي وعدم المساواة المرتبطة بتغير المناخ.
الصدمة
غالباً ما تسبب الأحداث المناخية القاسية، بما في ذلك الأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات، إصابات جسدية. ترتبط الحرارة الشديدة أيضًا بالعدوان والعنف، وترتبط أزمة المناخ على مستوى العالم بالصراع العنيف والهجرة القسرية.
توصيات لمواجهة تأثير التغير المناخي على الصحة في العراق:
.
- تشجيع استخدام وسائل النقل الخضراء: تعزيز استخدام وسائل النقل ذات الانبعاثات المنخفضة مثل الحافلات الكهربائية والدراجات الهوائية لتقليل انبعاثات غازات الدفيئة.
- تحسين جودة الوقود: تشجيع استخدام الوقود النظيف في المركبات والصناعات مثل الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية والرياح، وتحديث مصانع الطاقة لاستخدام تكنولوجيا أكثر كفاءة ونظافة.
- مراقبة ورصد الجودة الهوائية: تطوير نظام متكامل لرصد جودة الهواء والإبلاغ عنها بانتظام للمساعدة في اتخاذ الإجراءات الضرورية عندما تتجاوز معايير السلامة.
- التخفيف من التلوث الصناعي: فرض قوانين صارمة للتحكم في انبعاثات الملوثات الصناعية مثل الكبريتات والأوكسيدات النيتروجينية والجسيمات العالقة في الهواء.
- التشجيع على التحول إلى الطاقة المتجددة: تشجيع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح لتقليل الاعتماد على الوقود الحفري.
- تشجيع المباني الصديقة للبيئة: تعزيز استخدام تقنيات البناء الخضراء والتكنولوجيا الصديقة للبيئة في المباني لتقليل استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون.
- التوعية بأهمية الهواء النقي: تعزيز التوعية بأهمية الحفاظ على نوعية الهواء النقي من خلال حملات توعية وتثقيفية للمجتمع المحلي.
تنفيذ هذه التوصيات يمكن أن يلعب دوراً هاماً في تحسين جودة الهواء ومواجهة تأثير التغير المناخي على الصحة في العراق.
و ايضا من خلال :
- برامج توعية وتثقيف: إطلاق حملات توعية وبرامج تثقيفية في وسائل الإعلام والمدارس والمجتمعات المحلية حول الآثار الصحية لتغير المناخ وكيفية التعامل معها.
- تثقيف حول الأمراض المناخية: توضيح أمراض المناخ المحتملة مثل الحساسية الناتجة عن زيادة الغبار والعواصف الرملية والأمراض المنقولة بالهواء والمياه.
- نشر المعلومات العلمية: توفير معلومات علمية دقيقة وموثوقة حول التأثيرات الصحية لتغير المناخ وطرق الوقاية والعلاج.
- تعزيز الوعي بالسلوكيات الصحية: تشجيع المجتمع على اتباع سلوكيات صحية مثل ممارسة الرياضة بانتظام، وتناول الغذاء الصحي، والحفاظ على نظافة البيئة الشخصية.
- تدريب الكوادر الصحية: توفير التدريب والتأهيل المستمر للكوادر الصحية لتمكينهم من التعامل مع الحالات الصحية المرتبطة بتغير المناخ بكفاءة وفعالية.
- التشجيع على التواصل والتعاون: تشجيع التواصل والتعاون بين الجهات المعنية مثل الحكومة، والمنظمات غير الحكومية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص لتنفيذ برامج توعية شاملة ومستدامة.
- التفاعل مع المجتمع المحلي: تشجيع المشاركة المجتمعية في إيجاد الحلول والمبادرات المحلية لتعزيز الصحة ومواجهة تأثيرات التغير المناخي.
.